الحمد لله
المتفرد بالملك والخلق والتدبير، يعطي ويمنع وهو على كل شئ قدير، له الحكم وله
الأمر وهو العليم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد العلي الكبير، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى
والتقى والجهاد الكبير، وعلى السالكين طريقهم، والمقتفين أثرهم إلىقيام
اليوم العسير ...
سأتكلم عن لغة لا تحتاج إلى
ترجمة ، هي أجمل شيء في الوجود ، وسلاح للحياة والعقل ، بل هي مفتاح ٌ للقلوب ،
فعلها لا يكلف شيئا ، ولا تستغرق أكثر من لمحة بصر ، لكن أثرها يخترق القلوب ،
ويسلِبُ العقول ، ويذهب الأحزان ، ويصفي النفوس ، ويكسر الحواجز مع بني الإنسان ،
فعلها الحبيب ، وتعبَّد بها خلق كثيرٌ ممن سار على نهجه ...
... إنها الإبتسامة ...
أخي الفاضل ... أختي
الفاضلة ...
الإبتسامة الساحرة الإبتسامة الرائعة الإبتسامة الجذابة
الإبتسامة الحارة ، لا بد أن يكون لها واقع عملي مع الزوجات والأولاد ، والجيران
والأقارب وكل من نعرف ومن لا نعرف ، لأنها بلسمٌ شافي ، ونورٌ محبب ...
فقَدْ فَقَدَ بعض الزوجات تلك الإبتسامة الجميلة التي تعبر عن الحب والصفاء
، والروح النقية من ذلك الزوج ، حتى استمَدَّ هذه العادة الأبناء فتكونت أسرة تعادي
بعضها بعضا بلمحات الوجه ، وقسوة التعامل ...
ولا شك أن المسلم في حياته
تعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم ، مما يحتاج حقيقة إلى من يجلي حلكتها ، ويخترق
ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة والضحكة المتزنة والدعابة المرموقة ، لأن ذلك هو
البلسم الناجع والدواء النافع في ترويح النفس وطرد الآلام وتخفيف الأحزان عن المسلم
،
فيكفي مايعرضه بعض بني الإنسان ، من تقطيب الوجه ، وكتم الإبتسامة ،
واللمحات التي تنبئ بالكراهية والعداء ... سواء كان ذلك
للوالدين ... أو
الأقارب ... أو العمال ... أو من استحقر رؤيتهم والجلوس معهم ...
أيها المسلم /
يقول جرير بن عبد
الله البجلي كما في البخاري " ما رآني رسول الله
منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي " وهذا يدل على جمال روح
الحبيب ، ويدل أيضاً على تأثر هذا الصحابي بإستمرار إبتسامة
الرسول حينما يلاقيه ...
وليست هذه
الإبتسامة مع جرير فقط بل ورد عن عبد الله بن الحارث قال "
ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله " [ رواه
الترمذي ]
لقد كان رسول الهدى ونبي التقى محمد بن عبد الله صلوات ربي
وسلامه عليه من أشرح الناس صدرا وأعظمهم قدرا ، وأعلاهم شرفا وأبهاهم وجها ،
وأكثرهم تبسما ، وما كان يتكلف الضحك ، ولا يختلق الابتسامة ، بل
كان يمتلك نفوس أصحابه م بابتسامته المشرقة ، وضحكته الهادئة
اللطيفة ، ليكسب قلوبهم ويفوز بودهم ، ومع ذلك الفعل المستمر مع صحابته ، يحثنا
على التبسم ويقو ل ( وتبسمك في
وجه أخيك صدقة ) ، ويقول محمداً فصلِّ على محمد كما في صحيح مسلم (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن
الخلق " )
وقد كان الرسول يجلس مع أصحابه
ويشاركهم في حديثهم ، ويتبسم لما يذكرونه من
أمور الجاهلية ...
فقد كانت هذه ميزته حتى في غضبه ، فيقول كعب بن مالك
كما في
البخاري في قصة تخلفه وما كان من شأنه في غزوة تبوك : فجئته ـ أي النبي ـ فلما سلمت عليه
تبسم تبسُّم المغضب "
يا أيها الآباء ، يأيها المعلمون ، يا أيها المربون ،
يا أيها المسئولين عاملوا الناس بأخلاق الرسول ...
أنظروا
إلى هذه الملاحظة الدقيقة التي لاحظها كعب بن مالك على رسول الله وهو يعلم أنه غضب
عليه غضبا شديدا ً ، وأمر بهجر الصحابة له أكثر من أربعين يوما بسبب تخلفه في غزوة
تبوك ومع ذلك قال " فتبسم تبسم المغضب" ...
هل
تريدون مثالاً ثانيا على تعامل وابتسامة الرسول في المواقف الحرجة ؟
إليكم هذا المثال ...
يقول أنس بن مالك كما في
البخاري ، كنت أمشي مع رسول الله وعليه رداء نجراني
غليظ الحاشية ...
فأدركه أعرابي ...
فجذبه جذبة شديدة ، قال أنس :
فنظرت إلى صفحة عاتق النبي قد أثرت به حاشية
الرداء من شدة جذبته ، ثم قال هذا الأعرابي : -
مر لي
من مال الله الذي عندك ...
فماذا عمل الرسول مع هذا الموقف ...
،
التفت وضحك ثم أمر له بعطاء "
هذا مجمل ما أردت ذكره عن الإبتسامة
وطلاقة الوجه ، وهذه إشارات من إشارات ، ولا أزعم أني أوفيت على الغاية في الإفادة
، وما ذكرته من خلق هو لبنة على الطريق ، وأرجوا أن تكون بقدر الياقوت والعقيق ...
[size=21]وصلى الله وسلم على نبينا محمد